كشفت لـ«عكاظ» مصادر مطلعة على ملف الطائرة المقلة للرئيس السوداني عمر البشير، والتي منعت من العبور عبر أجواء المملكة قبل يومين لمخالفتها أنظمة الطيران المحلية والدولية والقواعد الدبلوماسية، عن القصة الكاملة للرحلة، من الإقلاع من مطار الخرطوم الدولي وحتى العودة إليه، بجانب تفاصيل استئجار الطائرة ومضمون التسجيلات الصوتية والتحقيق مع طاقمها.
ففي يوم الأحد 26 رمضان 1434هـ الموافق 4 أغسطس 2013م، أقلعت طائرة خاصة من مطار الخرطوم الدولي عند الساعة 10:00 صباحا، وعلى متنها الرئيس السوداني عمر البشير، يرافقه وزير الخارجية علي كرتي، ووزير الاستثمار مصطفى عثمان إسماعيل، ووزير الزراعة والري الدكتور عبدالحليم إسماعيل المتعافي، وثلاثة من وزراء الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية هم إدريس محمد عبدالقادر، والدكتور أمين حسن عمر، والدكتور فرح مصطفى عبدالله.
وبعد 43 دقيقة، وتحديدا عند الساعة 10:43 صباحا ورد اتصال إلى برج المراقبة الجوية في مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، مصدره طائرة خاصة مقلعة من الخرطوم، تطلب العبور عبر أجواء المملكة، حيث استقبل الاتصال «مراقب المنطقة» في البرج، وهو المسؤول عن استقبال الطائرات القادمة والعابرة، وجرى بينه وبين قائد الطائرة حوار بلغت مدته تسع دقائق، انتهى بعدم السماح لها بالتحليق في أجواء المملكة.
وطبقا للحديث المسجل بين الطرفين، استفسر المراقب من قائد الطائرة عن رقم التصريح بالعبور، بعد أن لاحظ عدم وجود رحلة مجدولة في نظام إدارة الملاحة الجوية، فأفاد القائد أنها طائرة خاصة، ورحلتها بالفعل غير مجدولة، وأبدى ضرورة العبور عبر المملكة كون الوجهة إلى محطة الهبوط هي محطة خارجية (مطار الخميني الدولي في طهران).
عندها طرح المراقب سؤالا على القائد حول ما إذا كان هناك طلب معلق بالتصريح تقدموا به قبل 48 ساعة من الإقلاع، أجاب قائد الطائرة بأن الرحلة مستعجلة وغير مرتب لها سلفا، وأنه لا يوجد طلب بذلك، فأبدى المراقب اعتذاره عن السماح للطائرة بالعبور، وشدد على منع ذلك.
فاستجاب القائد على الفور، وعاد من حيث أقلع.
وعند الساعة 11:22 صباحا عاد قائد الطائرة واتصل ببرج المراقبة الجوية بعد وصوله الخرطوم بأن كان على متن الطائرة الرئيس السوداني عمر البشير.
الطائرة غير سعودية
وتثبت معلوماتنا أن قصة استئجار الطائرة التي كان يقلها البشير وفقا لرواية وكالة الأنباء الرسمية السودانية «سونا» غير صحيحة، حيث جاء في تلك الرواية «أن الطائرة سعودية مستأجرة ويقودها طاقم غير سوداني»، لأن الطائرة ليست تابعة لأي ناقل جوي في المملكة، سواء الخطوط السعودية أو طيران ناس، بل وليست مسجلة في المملكة، وإنما في بريطانيا، وإن الطائرة الخاصة يملكها مواطن سعودي بصفة شخصية، لكنه لا علاقة له بالخطوط السعودية أو طيران ناس، وتقف الطائرة عادة في جزر كايمان، غرب البحر الكاريبي، حيث تقل الضرائب المفروضة على وقوفها هناك عن الرسوم والضرائب المقررة في المطارات الدولية الأخرى.
وكان مالكها قد حصل على تصريح مؤقت من هيئة الطيران المدني بالمملكة بالهبوط على المطارات السعودية بشروط، أبرزها أن يكون المالك على متن الطائرة عند هبوطها في أي مطار محلي أو إقليمي أو دولي داخل المملكة، وأن لا يسمح له باستخدامها لأغراض تجارية.
التحقيق مع القائد
وتقول مصادر سودانية مطلعة إن قائد الطائرة أوقع السلطات السودانية، وخصوصا ديوان رئاسة الجمهورية في حرج، حيث أكد لهم القدرة على الوصول إلى إيران دون أية عوائق، وبعد أن منعت هيئة الطيران المدني في المملكة الطائرة من العبور فوق الأجواء السعودية، أفصح لديوان الرئاسة بأنه تقدم بطلب سابق بذلك، ما دفع الرئاسة السودانية للحديث عن الواقعة في البيان الرسمي الذي بثته وكالة الأنباء السودانية وادعت فيه أن «الطائرة عادت بعد أن منعتها سلطات الطيران المدني السعودي عبور أجواء المملكة على الرغم من حصول الطائرة على إذن العبور».. وهو قول غير صحيح البتة.
كما علمت «عكاظ» أن الاتصالات التي جرت بين سلطات الطيران المدني في البلدين بعد هذه الواقعة أثبتت أن السجلات الورقية والإلكترونية والتسجيلات الصوتية أكدت أن الطائرة لم تحصل على تصريح مسبق، كما زعم البيان الرسمي السوداني، ما دعا السلطات السودانية للتحقيق مع قائد الطائرة حول ذلك ــ حسب رواية المصادر السودانية ــ والتي أشارت إلى تراجع قائد الطائرة عن أقواله، إذ أفصح لهم بعدم الحصول على التصريح، وقال «إنه توقع سهولة العبور دون الحصول على تصريح، كون الطائرة يملكها سعودي».
وكانت هيئة الطيران المدني قد أرجعت في بيان رسمي صدر البارحة الأولى منع الطائرة الخاصة التي تقل الرئيس السوداني البشير إلى أربعة أسباب، تتعلق بأنظمة الطيران المحلية والدولية، وبالبروتوكولات الدبلوماسية، حيث أكدت أنه لم يتم إخطار مركز المراقبة الجوية في المملكة من قبل المراقبة الجوية بمطار الخرطوم بإقلاع الطائرة من مطار الخرطوم، أو بموعد دخولها للأجواء السعودية كما هو معمول به دوليا، وقالت «بعد أن عادت الطائرة متجهة إلى مطار الخرطوم، أفصح حينها قائد الطائرة أنه كان على متنها فخامة رئيس الجمهورية السودانية»، وأضافت بأن تصرف الطائرة السودانية خالف البروتوكولات الدبلوماسية المعهودة في كل دول العالم، إذ بينت الهيئة أن حكومة السودان لم تتقدم بطلب رسمي للحصول على تصريح دبلوماسي للطائرة التي سوف تقل فخامة الرئيس، سواء عن طريق سفارة المملكة في الخرطوم، أو سفارة السودان في الرياض، وفق الإجراءات المعمول بها دوليا، من ضرورة طلب التصريح قبل 48 ساعة من موعد إقلاع الرحلة للرحلات الدبلوماسية غير المجدولة عند عبور أجواء الدول في خط سير الطائرة.
السفير السوداني يتحدث
من جانبه، أكد سفير السودان لدى المملكة عبدالحافظ إبراهيم محمد سلامة موقف هيئة الطيران المدني في المملكة تجاه منع الطائرة الخاصة التي كانت تقل الرئيس البشير، وقال «إن الرؤية غدت واضحة جدا، حيث أوضحت هيئة الطيران المدني السعودي هذه الحقائق وأكدت أن السجلات والتسجيل الصوتي للحوار بين قائد الطائرة وبرج المراقبة تثبت صحة الرواية السعودية بكامل تفاصيلها».
وفيما يتطلب عبور الطائرات التي تقل الملوك والرؤساء وكبار الدبلوماسيين الحصول على تصريح دبلوماسي بالتخاطب بين سفارتي الدولتين، وفقا للبروتوكولات الدبلوماسية المعمول بها دوليا، واجهت «عكاظ» السفير السوداني لدى المملكة عبدالحافظ إبراهيم محمد بتفاصيل الواقعة وسألته عن سبب عدم قيام سفارته بطلب التصريح، فقال «إن ما جاء في بيان هيئة الطيران المدني بعدم التقدم بطلب رسمي للحصول على تصريح دبلوماسي صحيح، فالبيان واضح ولا يحتاج لأي توضيح آخر».
وعندما سألناه عن أسباب عدم تقدمه بطلب تصريح دبلوماسي، أوضح أن التصريح الدبلوماسي يطلب من قبل السفارة في الرحلات التي تتم عبر الطائرة الرئاسية، وليست الخاصة.. فكان السؤال «ولماذا لم يغادر الرئيس عبر الطائرة الرئاسية؟» فأجاب السفير «الجواب مش عندي.. بإمكانك أن تسأل ديوان الرئاسة».